أجرى رئيس كوريا الجنوبية "يون سوك يول" أولى جولاته في آسيا الوسطى خلال الفترة (10–15) يونيو 2024، وشملت تركمانستان وكازاخستان وأوزبكستان، وقد جدد رغبة بلاده في تعزيز التعاون في شتى المجالات مع الدول الثلاث، لا سيما الجانب الاقتصادي. وشهدت الجولة إطلاق مبادرة "طريق الحرير الكوري" بين سيول ودول المنطقة للدمج بين التكنولوجيا الكورية المتطورة وموارد الطاقة الوفيرة والمعادن النادرة بآسيا الوسطى، وقد رحبت دول المنطقة بالمبادرة، التي تضع كوريا الجنوبية على خريطة القوى الآسيوية الفاعلة بآسيا الوسطى مستقبلاً، كما أكد "يون" دعم دول المنطقة لنزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية؛ ما يُضاعِف حالة التنافس الجيوسياسي والاستقطاب بالمنطقة؛ حيث تدعم موسكو وبكين اللتان تعدان حلفتين استراتيجيتين لآسيا الوسطى كوريا الشمالية.

نتائج هامة

لم تكن جولة رئيس كوريا الجنوبية "يون سوك يول" في منطقة آسيا الوسطى في يونيو 2024 الأولى من نوعها خلال السنوات الأخيرة؛ فقد أجرى رؤساء كوريا الجنوبية السابقون جولات في المنطقة في عامي 2014 و2019؛ وذلك في ظل مساعي كوريا الجنوبية لتعزيز حضورها في المنطقة. وبوجه عام، أسفرت جولة "يول" الأخيرة عن نتائج هامة؛ أبرزها ما يلي:

1– إطلاق مبادرة "طريق الحرير الكوري": أعلن الرئيس "يول"، فور بدء جولته بآسيا الوسطى ووصوله تركمانستان في 10 يونيو 2024، عن مبادرة "طريق الحرير الكوري" التي تمثل رؤيته لتطوير التعاون الاقتصادي مع دول آسيا الوسطى، وتركز على إنشاء نموذج تعاون جديد من خلال ربط القدرات الابتكارية والتكنولوجية الكورية لتطوير واستغلال موارد الطاقة والمعادن الوفيرة والإمكانات التنمية في آسيا الوسطى، لا سيما أن دول المنطقة تمتلك نسبة من الاحتياطي العالمي للنفط والغاز الطبيعي والفحم، فضلاً عن كميات كبيرة من معادن نادرة (اليورانيوم، والأنتيمون، والليثيوم، والذهب).

وتهدف المبادرة إلى تحقيق الحرية والسلام والرخاء بشكل مشترك. وتشمل المبادرة التعاون بمجالات (الموارد الطبيعية، والمساعدات الإنمائية، والتبادل الثقافي، والتواصل على المستوى الحكومي والخاص). والمبادرة تضع كوريا الجنوبية على خريطة القوى الفاعلة بآسيا الوسطى للاستفادة من مواردها الطبيعية النادرة والهائلة مقابل نقل التكنولوجيا الكورية لها؛ ما سيساهم في إحداث طفرة اقتصادية بالمنطقة، كما أعلنت سيول عن استضافة القمة الرئاسية الأولى بين كوريا الجنوبية ودول آسيا الوسطى الخمس (تركمانستان، وكازاخستان، وأوزبكستان، وقرغيزستان وطاجيكستان) عام 2025.

2– تعزيز التعاون بمجال الطاقة مع تركمانستان: استهل رئيس كوريا الجنوبية "يون سوك يول" جولته بآسيا الوسطى من تركمانستان، وعقد لقاء مع رئيسها "سيردار محمدوف"، واتفقت سيول مع عشق أباد على توسيع التعاون بمشروعات الطاقة والبنية التحتية، وتعميق الشراكة "المتبادلة المنفعة" في مختلف المجالات. وأكد "محمدوف" أن كوريا الجنوبية "لديها إمكانات كبيرة للتعاون المكثف في إنشاء طريق نقل عابر للقارات يربط آسيا بأوروبا"، وهو ما يتوافق مع مساعي دول آسيا الوسطى لإنشاء ممرات نقل إقليمية لنقل مواردها من الطاقة إلى الدول الأوروبية. وشهد الرئيسان توقيع 8 اتفاقيات بينهما، منها "إطار تعزيز التجارة والاستثمار" لتعزيز التعاون الاقتصادي بين بلدَيهما. ووقَّعت شركة "هيونداي" الكورية اتفاقية إطارية مع شركة "تركمانغاز" الحكومية لإنشاء المنشأة الرابعة لإزالة الكبريت في حقل غاز جالكينيش.

وتعتزم بعض الشركات الكورية تعزيز الاستثمار في مصانع إنتاج أسمدة اليوريا والأمونيا في كيانلي بمقاطعة البلقان بغرب تركمانستان، بقيمة استثمارات تبلغ 6 مليارات دولار، كما وقعت الدولتان مذكرات تفاهم لتعزيز التعاون المالي والصحي وفي مجال التنمية الحضرية، واتفقت سيول وعشق أباد على تسريع المحادثات حول "اتفاقية حماية الاستثمار واتفاقية المساعدة الجمركية المتبادلة". وأعرب الرئيس الكوري "يول" عن تطلعه إلى توسيع الرحلات الجوية المباشرة والتعاون في قطاع بناء السفن مع تركمانستان. جدير بالذكر أنه في سبتمبر 2023، وقعت الجمعية الكورية للمعدات البحرية وحوض البلقان لبناء السفن عقداً بقيمة 42 مليون دولار أمريكي لبناء سفينتين من فئة الناقلات المتعددة الأغراض سعة 6100 طن.

3– توقيع اتفاقيات متنوعة مع كازاخستان: فقد عقد الرئيس "يول" لقاءً مع رئيس كازاخستان "قاسم توكاييف"، ودعا إلى توسيع نطاق العلاقات الاقتصادية بين الدولتين نظراً إلى هياكلهما الصناعية التي يُكمِل بعضُها بعضاً. بدوره أشاد "توكاييف" بزيارة "يون"؛ لأنها تؤكد تطور العلاقات بين الدولتين، وتعهَّد بمواصلة تطويرها بشتى المجالات، ومنها المياه والتغيرات المناخية التي تتأثر بها دول آسيا الوسطى، وكذلك مجالات (أبحاث الفضاء، والذكاء الاصطناعي، والإلكترونيات).

وشهد الرئيسان توقيع 24 مذكرة تفاهم بمجالات (توليد الطاقة المنخفضة الانبعاثات والطاقة المتجددة وتحديث محطات الطاقة القديمة، وتوريد المعادن النادرة والتنقيب المشترك عن مناجم الليثيوم وتطويرها وتسويقها، والدعم المالي وتمويل السياسات)، كما أعلنت شركة الطيران الكازاخية "طيران أستانة" إعادة تشغيل خطها الجوي المباشر بين "أستانة" ومدينة "إنتشون" غرب سيول مرتين أسبوعياً. جدير بالذكر أن كازاخستان تملك احتياطياً كبيراً من المعادن الهامة والنادرة، منها (اليورانيوم، والكروم، والتيتانيوم)، وهي معادن هامة لشركات صناعة "أشباه الموصلات" والبطاريات بكوريا الجنوبية.

4– استهداف دعم التعاون الاقتصادي مع أوزبكستان: عقد الرئيس "يون سوك يول" يوم 14 يونيو 2024 والرئيس الأوزبكي "شوكت ميرضيائيف" اجتماعاً لتعزيز التعاون الاقتصادي في مجالات سلاسل توريد المعادن والبنية التحتية والطاقة، وأكد "يول" أن سيول ستعمل على دعم الشركات الناشئة بأوزبكستان، وزار "يول" المجمع التكنولوجي في طشقند الذي يعتمد على تكنولوجيا شركة "سامسونج" من كوريا الجنوبية. ويضم المجمع التكنولوجي الذي أنشئ بمبادرة من الرئيس الأوزبكي 16 مؤسسة إنتاجية؛ حيث بلغت تكلفتها نحو 365 مليون دولار أمريكي.

جدير بالذكر أن سيول وطشقند أعلنتا عام 2019 عن بدء "الشراكة الاستراتيجية الخاصة" بينهما، وأبرمتا اتفاقيات اقتصادية بقيمة 12 مليار دولار. وتعد أوزبكستان شريكاً هاماً بآسيا الوسطى لكوريا الجنوبية، ويوجد بها – بحسب بعض التقديرات – نحو 930 مصنعاً باستثمارات كورية في مجالات بناء الآلات والتجارة والصناعات الكيماوية والغذائية والمعادن والأدوية والسياحة والنفط والغاز والخدمات.

5– تأكيد دور منتديات الأعمال المشتركة في دعم العلاقات: حرص الرئيس "يون" على حضور منتديات الأعمال المشتركة خلال جولته؛ ففي 11 يونيو 2024 حضر منتدى "الأعمال الكورية–التركمانية" بعشق أباد، وشارك فيها حوالي 200 مسؤول حكومي ورجل أعمال من الدولتين، وروَّج خلالها "يون" لرؤية سيول للعلاقات مع دول آسيا الوسطى؛ حيث أكد أن "المعرفة الصناعية والتكنولوجيا لكوريا الجنوبية إذا تم دمجهما مع موارد تركمانستان الوفيرة، فستنتج اقتصاداً قوياً للدولتين".

وخلال وجوده بكازاخستان، شارك "يون" في فعاليات "المنتدى الثنائي للتعاون الكازاخي–الكوري"، وحضره نحو 300 مندوب أعمال من الدولتين، وناقش آليات تعزيز التجارة والاستثمار في مجموعة واسعة من المجالات، لا سيما التنقيب عن الموارد الطبيعية، وتطوير البنية التحتية. وأوضح "يون" أهمية "تعزيز التعاون في سلسلة التوريد للمعادن الحيوية وسط تزايد الشكوك الاقتصادية الناجمة عن المخاطر الجيوسياسية؛ لأنه يجب على كوريا الجنوبية – باعتبارها دولة تتمتع بتكنولوجيا المعالجة وصناعات الطلب – تعزيز التعاون في سلسلة توريد المعادن المهمة". وبختام الجولة شارك الرئيس الكوري و"ميرضيائيف" في منتدى الأعمال "الأوزبكي الكوري الجنوبي" بحضور حوالي 80 ممثلاً للشركات والمؤسسات المالية الكورية. وشدد "يون" على أهمية تعزيز المواهب الجديدة بمجال التكنولوجيا المتقدمة، وتعهد بتقديم الدعم لتدريب المهنيين بأوزبكستان من خلال برامج "الوكالة الكورية للتعاون الدولي".

6– تطوير التعاون الثقافي والسياحي: اتفقت سيول مع دول المنطقة على الاهتمام بالجانب التعليمي والتبادل الثقافي والسياحي لتعزيز العلاقات بين الشعوب؛ حيث تعمل 4 فروع للجامعات الكورية الجنوبية في أوزبكستان، ويتعلَّم أكثر من 11 ألف طالب أوزبكي في مؤسسات التعليم العالي بكوريا الجنوبية، كما تُدرَّس اللغة الكورية في 9 جامعات و24 مدرسة بأوزبكستان، وتعد دول آسيا الوسطى وجهة سياحية آسيوية للسائح الكوري.

جدير بالذكر أنه في نوفمبر 2023، عُقد بعشق أباد اجتماع وزراء الخارجية لدول آسيا الوسطى وكوريا الجنوبية، لبحث دور الشباب في تشكيل مستقبل مستدام بين الجانبين، ويتم حالياً إعداد خارطة طريق للتبادلات الثقافية بين الطرفين للفترة (2025–2030)، وإقامة الألعاب الرياضية الدولية للشباب في دول آسيا الوسطى وجمهورية كوريا، وغيرها.

7– استثمار الجاليات الكورية بآسيا الوسطى: حرص الرئيس "يول" على لقاء الجالية الكورية بدول آسيا الوسطى، التي يُطلَق عليها اسم "كاريتشي" أو "كوريو–سارام"، وتعني "الكوريون في آسيا الوسطى"، وعقد معهم اجتماعاً هاماً في أوزبكستان التي يُقيم بها نحو 180 ألف مواطن من أصول كورية، وكذلك عقد "يول" معهم لقاء في كازاخستان التي يقيم بها أكثر من ( 120 ألف) مواطن من أصل كوري. ويحافظ الكوريون في دول المنطقة على العادات والتقاليد الكورية، وكان لهم دور كبير في مد جسور التعاون والتبادل الثقافي بين سيول وآسيا الوسطى، ويعول عليهم في استمرار هذا الدور وتكثيفه مستقبلاً لتطوير التعاون الثقافي والتقارب بين الشعوب.

تداعيات جيوسياسية

تدشن جولة رئيس كوريا الجنوبية "يون سوك" مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي مع دول آسيا الوسطى، لا سيما بعد إعلانه عن مبادرة "طريق الحرير الكوري"؛ ولذا فإن هناك عدداً من التداعيات لها التي ستنعكس على آسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا في ظل المتغيرات الجيوسياسية الراهنة، ومنها:

1– تعزيز "أمن الطاقة" الكوري: تهدف مبادرة "طريق الحرير الكوري" إلى توفير موارد الطاقة والمعادن النادرة لسيول التي تُعَد رابع أكبر مشترٍ للنفط والغاز عالمياً؛ حيث تستورد 98% تقريباً من احتياجاتها سنوياً من الطاقة؛ لذا يمكنها الاستفادة من الغاز التركماني والنفط الكازاخي، كما ستعمل سيول على "استيراد اليوريا" من آسيا الوسطى لتقليل اعتمادها على استيرادها من الصين التي تخضع علاقاتها مع سيول للتوترات السياسية.

كما ستعزز كوريا الجنوبية استثماراتها بمجال الطاقة في دول آسيا الوسطى لتعزيز نفوذها بها؛ حيث ستطور حقل غاز "غالكينيش" التركماني الذي يعد من أكبر حقول الغاز بالعالم، وستعيد بناء 5 محطات للطاقة الكهرومائية في أوزبكستان؛ مما يضمن لها موارد طاقة مستدامة، ويمنح سيول خيارات متعددة في مسار سياستها الخارجية بجنوب شرق آسيا بعيداً عن التهديد بقطع إمدادات الطاقة عنها في ظل التوترات الجيوسياسية الراهنة، ومنها استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وتصاعد التوتر مع كوريا الشمالية، وإمكانية وقف سلاسل الإمداد من الخليج العربي إلى جنوب شرق آسيا إذا توسعت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أو اندلع اشتباك مسلح بين بكين وواشنطن حول تايوان.

2– الارتقاء بالمكانة الإقليمية الكورية: منذ تولي الرئيس "يون" وهو ينتهج سياسة خارجية نشطة بغية تعزيز المكانة الإقليمية لبلاده ومواجهة التمدد الصيني بآسيا، وتأتي جولته في آسيا الوسطى وطرح مبادرته ضمن هذا المسار، وهي بالفعل سوف تعمل على تعزيز الوجود الاقتصادي والنفوذ السياسي الكوري بآسيا الوسطى، كما سبق أن طرح "يون" عدداً من المبادرات الإقليمية الأخرى؛ منها (استراتيجية منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ومبادرة التضامن بين كوريا والآسيان) واستضافة سيول القمة الأولى مع الدول الأفريقية، كما أن تلك المبادرات ستفتح آفاقاً جديدة للتعاون الاقتصادي بين كوريا وتلك الدول؛ ما يؤكد حرص "يون" على تبني سياسة خارجية فعَّالة في محيطه الإقليمي والدولي لمواجهة حدة التنافس بين مختلف القوى السياسية الآسيوية، لا سيما الصين.

3– حصول سيول على دعم خارجي في مواجهة كوريا الشمالية: بختام جولته بدول آسيا الوسطى يوم 15 يونيو 2024، أكد الرئيس الكوري الجنوبي "يون سوك يول" دعم تركمانستان وكازاخستان وأوزبكستان لموقف سيول في التعامل مع برامج كوريا الشمالية النووية والصاروخية، وضرورة نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية، بما في ذلك برامج كوريا الشمالية النووية والصاروخية، وهو ما يمنح سيول دعماً آسيوياً دولياً جديداً لموقفها لمواجهة "تعنت" جارتها الشمالية لامتلاك سلاح نووي تهدد به جارتها الجنوبية وكل دول جنوب شرق آسيا، كما يكتسب موقف دول آسيا الوسطى أهمية خاصة؛ نظراً إلى أن كازاخستان تعد "نموذجاً عالمياً" لنزع السلاح النووي طواعية؛ حيث قررت بعد استقلالها عن الاتحاد السوفييتي عام 1991 إغلاق مواقع التجارب النووية بأراضيها، وتفكيك رابع أكبر ترسانة نووية في العالم آنذاك؛ لذا يمكن تطبيق هذا النموذج على كوريا الشمالية إذا تم التوافق معها عليه.

4– إضفاء تعقيدات على العلاقات الروسية الكورية: تستشعر روسيا بالفعل تراجع نفوذها النسبي في دول آسيا الوسطى التي توصف بأنها "الفناء الخلفي" لها بعد انشغالها بالحرب الأوكرانية، وهو ما أدى إلى صعود الدور الصيني والتركي بالمنطقة بشكل ملحوظ، ناهيك عن تصاعد اهتمام القوى الغربية بتعزيز النفوذ هناك، ومن ثم فإن اهتمام كوريا الجنوبية بتطوير العلاقات مع دول المنطقة قد يؤدي إلى المزيد من التعقيدات في العلاقات الكورية الروسية، وخاصةً مع التطور الحادث في العلاقات بين روسيا وكوريا الشمالية، ناهيك عن اعتبار كوريا الجنوبية أكثر تقارباً مع المعسكر الغربي، حتى إن حاولت سيول الإبقاء على موقف متوازن تجاه الحرب الأوكرانية.

5– تصاعد التنافس الإقليمي في آسيا الوسطى: أصبح جلياً توجه كافة القوى الآسيوية والأوربية الكبرى نحو تعزيز وجودها الاقتصادي ونفوذها السياسي بإقليم آسيا الوسطى، وكانت آخر تلك القوى كوريا الجنوبية، وسط ترحيب من دول آسيا الوسطى بذلك؛ لأن سيول لا تُثير أي مخاوف من تهديد عسكري لدول المنطقة، كما أن وجود كوريا الجنوبية قد يوازن الوجود الصيني مستقبلاً؛ نظراً إلى تصاعد ظاهرة (الصينوفوبيا) بآسيا الوسطى، وهي المخاوف الشعبية والرسمية من دوافع التمدد الصيني بدول المنطقة، وهو ما يمثل فرصة ذهبية لسيول لإرساء نفوذها في آسيا الوسطى في ظل انشغال أكبر قوتين مؤثرتين بالإقليم (روسيا والصين).

وهذا التوجه الكوري سيلقى دعماً أمريكياً كبيراً؛ حيث ترغب واشنطن في مزاحمة النفوذ الروسي والصيني بالمنطقة أيضاً، بيد أنه سيؤدي إلى تعزيز التنافس بين بكين وموسكو وسيول، وسيجعل آسيا الوسطى في قلب المعادلات السياسية والعسكرية محل الإعداد والتنفيذ بين القوى النافذة بالمنطقة (موسكو، وبكين، وسيول، وواشنطن)؛ حيث تعمل تلك القوى على تقاسم النفوذ ومواجهة التهديدات الأمنية في إقليم جنوب شرق آسيا والهندوباسيفيك والقوقاز، في ظل تشابك الملفات الأمنية والسياسية بين تلك المناطق؛ ما يشير إلى إمكانية وجود تأثيرات سلبية على أمن واستقرار آسيا الوسطى؛ لأنها أصبحت ترتبط بالمعادلات الأمنية بأقاليم أخرى مضطربة.

مما سبق، نجد أن جولة رئيس كوريا الجنوبية بدول آسيا الوسطى تدشن مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي بين سيول وبين تلك الدول، ويعول كثيراً على الجهود المستقبلية المشتركة بين الطرفين لتنفيذ مبادرة "طريق الحرير الكوري"، والقمة الرئاسية الأولى بينهما، وهو ما سيخدم المصالح الاقتصادية لدول المنطقة، وسيعزز التنافس السياسي الإقليمي بها بين عدد من القوى الآسيوية الفاعلة، ما يُوجِب عليها المحافظة على التوازن في التعاون مع تلك القوى لتحقيق مصالحها الحيوية.

تحركات كوريا الجنوبية لتعزيز نفوذها بآسيا الوسطى